كتبت الأم تريزا: يا إله الحب، ساعدنا أن نتذكر أن المسيح لا جسد له علي الأرض سوى أجسادنا، ولا يدين له إلا أيدينا. عيوننا هي العيون التي يجب أن يري بها احتياجات العالم، وأقدامنا هي الأقدام التي بها يجول يصنع خيراً. وقال جيرمي تايلور: المحبة هي أعظم شيء يمكن أن يمنحك الله إياها لأنه هو نفسه محبة، و بالتالي هي أعظم ما يمكننا أن نقدمه لله.
كلما قرأتُ عن مريم المجدلية انتعشتُ من هذا المثال الرائع للتكريس الحقيقي للمسيح. لقد أخرج منها الر ب سبعة شياطين؛ فحياة مريم مرت في العبودية قبل أن تتقابل مع المخلص والمحرر. لقد تكرست للمسيح تكريساً كاملاً، وبرهان هذا التكريس هو الآتي:
“كن يخدمنه من أموالهن” (لوقا3:8). بعد أن كان مالها في يد الشيطان صار لخدمة الرب. إن سر العطاء هو أن يهب المرء نفسه لله أولا (2كو 8: 5). وما العطاء المادي سوى تعبير عن بذل النفس المستمر. إمكانية العطاء المادي من ثمار عمل الروح فينا ( 2كو 8: 1 و 9 : 14 ). العطاء في شركة الكنيسة إذن فعل ايجابي وتعبير عن عمل الله في ما بيننا (2كو 7:5 و9 ). لذا فالرسول بولس يلحّ في اظهار المحبة التي هي أساس كل عطاء مادي ( 2كو 8: 4 )، والعطاء بفرح )2كو 8: 2 و9 : 7) وبسخاء (2كو 8: 2- 3 و9 : 6) ضمن المتيسر للإنسان أي حسب طاقته (2كو 8: 11 – 12). فالمعطي لا يتصدق باستعلاء على المعطى إليه. العطاء من ثمار المحبة التي تجمعنا ( 2كو 8:8 ) ونحن متيقنون أن الله سيهبنا نعمة العطاء وبركته ( 2كو9: 8). لا إكراه في العطاء، بل نحن نعطي في حرية الأبناء التي دعينا اليها (2كو10:8-11).
لقد أحبت المجدلية محررها ورافقته في كل مكان، وفي كل فرصة. يا له من تكريس. قال أزوالد سميث: ليس هناك رسالة تجذبنا من بيوتنا وعائلاتنا ومخادعنا وتدفعنا إلي ركوب البحار والاستهانة بالمخاطر والتعرض للموت كل حين والحياة وسط قبائل المتوحشين إلا رسالة واحدة: إن المسيح يحبنا وقد مات من أجل خطايانا.
هي الأهم؛ فالوقت هو العمر مجزأً، والعمر هو الوقت متفرقاً. ماذا لو أن عريس قال لعروسه :أحبكِ و لكن للأسف ليس لدي وقت لكِ؟ ستكون الإجابة: إن كنت حقاً تحبني لوجدت وقتاً كافياً لي! مهما كنت مشغولاً يجب أن يكون الرب الأول في ترتيب أولويات وقتك. لقد ضحت مريم بالمال والجهد والوقت وأعطتهم دون تحفظ للرب. الوقت هو أغلى شيء. لقد رقد ديفيد برنارد المرسل إلى الهنود الحمر وكان عمره 39 سنة، وكتب فى مذكراته: أريد أن أفني كل ثانية من عمري فى خدمة الرب يسوع. لا ولن أهتم كيف أو أين أعيش، أو أي سفينة سأبحر فيها لأمجده و أربح النفوس له.
كان الخادم مانويل كارزاً مؤثراً في بيرو، بين أهل الجبال من الكويتشيوا. وقد أمرته عصابات الطريق المشرق (الحزب الشيوعي) بالتوقف عن الكرازة وتوزيع الكتاب المقدس وهددوه بالقتل، ولكن مانويل كان دائماً يقول: لقد مت منذ زمن طويل مع المسيح في الصليب فكيف يمكنهم قتلي مرة أخرى؟ وبعد فترة، وجدوا جثة مانويل علي الطريق بعد أن فصلوا عنها قدميه ولسانه ويديه، وحفروا بالسكين علي صدره وبطنه رسالة كتبوا فيها: قد أمرناك بالكف.. ثم علي يديه وقدميه:عن زيارات القرى وتوزيع الكتب المقدسة والكرازة بيسوع. لكن أثناء تشييع جثمانه كرس 25 شاباً أنفسهم لاتخاذ مكانه, فقام رجل عجوز حكيم وسألهم: “هل أنتم مستعدون أن تلاقوا ما لاقاه مانويل؟” فأجابه أحدهم: “نحن نتبع طريق الرب يسوع مع مانويل: من أجلك نمات كل النهار قد حُسِبْنا مثل غنم للذبح” (رومية 36:8).
فأخذ يوسف الجسد و لفه بكتان نقي ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً علي باب القبر ومضى. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر(مت59:27-61)
و في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية و الظلام باق (يوحنا1:20). فركضت و جاءت إلي سمعان بطرس وإلي التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما: أخذوا السيد و لسنا نعلم أين وضعوه (يوحنا 2:20) .
أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي.. قالت لهما: أخذوا سيدي و لست أعلم أين وضعوه.. فظنت تلك أنه البستاني فقالت له: يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه (يو 15:20-17). كتب أوزوالد سميث: لست أدري إن كان هناك عصر يحتاج فيه المؤمن الحقيقي للتكريس والأمانة الفردية وأن ينفصل عن العالم مثل هذا العصر. الكنائس التي كانت تتميز بنقاء التكريس ولهيب الحب للرب يسوع أصبحت مراكز اجتماعية ثقافية وكتب عليها زال المجد. الآن هو وقت الصمود حتى لو تخلى الآخرون.
لقد كافأ الرب تكريس مريم فظهر لها وصارت أول مبشرة بقيامته: قال لها يسوع يا مريم فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم. قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد إلي أبي و لكن اذهبي إلي إخوتي و قولي لهم إني أصعد إلي أبي و أبيكم و إلهى و إلهكم. فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب و أنه قال لها هكذا (يو16:20- 18) ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين (مر10:16)
يا رب يسوع، محبتك هي الوقود المستمر والنهر الذي يرويني لأعيش لك، فاحفظ حبي لك لأقول مع الرسول بولس: لأن محبة المسيح تحصرنا إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام. آمين.