كيفية التكريس

كبش الملء

يتميز ساحل جزيرة لابرادور بالجبال الجليدية فائقة الارتفاع، والذي يعلو عن ارتفاع ثلاثين دورا من المباني العالية. إلا أنها تقف في طريق رياح قوية. هل تعلم كيف تقاوم هذه الجبال الرياح العاتية؟ الإجابة هي أن ما يظهر من هذه الجبال لا يزيد عن 1/ 8 من كتلتها، أما الغاطس فهو يزيد عن 7/8 من طولها. وهناك في الأعماق تيارات قوية للغاية تدفع هذه الجبال في عكس اتجاه الريح. والسؤال هنا: كيف يمكن أن أكون مكرّساً للرب في عالم مليء بالرياح العاتية من الشرور والفساد والنجاسة؟ الإجابة هي أن التكريس للرب ليس الامتناع عن أشياء بقدر ما هو الشبع و ملء اليد والقلب والكيان بالمسيح. فإن كانت لي شركة قوية معه في الأعماق مثل جبال جزيرة لابرادور سيكون من السهل عليّ أن أبحر في الأجواء السماوية عكس رياح وتيارات العالم.

“فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأخوة بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَة ُ” (رو 1:12و2).
كان كاهن العهد القديم يمر بسبعة مراحل حتى يتم تقديسه (خر29 و لا 8، 9). و في هذه المراحل السبع درس رائع في صورة رمزية عن كيفية

تكريس المسيحي الحقيقي في العهد الجديد :

أولا: يؤخذ ويقدَّم

خُذ هرون وبنيه معه (لا8: 2) يُقدمون إلى باب خيمة الاجتماع (خر29: 4). ونحن أيضا قد اختارنا الله قبل تأسيس العالم (أف3:1). فمن المستحيل أن نطلب التكريس من إنسان طبيعي لم يتمتع بالولادة الجديدة وسكنى الروح القدس. كيف يتكرس وهو مازال في خطاياه، عبداً لشهواته؟ ولكن بعد أن يدرك اختيار الرب له بالنعمة، وأنه أصبح ملكاً وكاهناً يقدم ذبائح روحية للرب، عندها يمكن أن يطيع الوصية ويقدم نفسه للرب دون تحفظ.

ثانيا: يُغسَل

وكل مؤمن صار ضمن الكهنوت الملوكي المغسول بدم المسيح، الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ (رؤ5:1)، ومولوداً ولادة ثانية بواسطة ماء كلمة الله والروح القدس: أَجَابَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ (يو5:3)، و يقدر أن يطيع الوصية: لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ (عب 22:10). وكل مسيحي حقيقي ينطبق عليه ما قاله الرب لبطرس: “الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّه ُ” (يو10:13). و في التطهر المستمر باستخدام كلمة الله يكون المسيحي دائما في الحالة التي تجعله مهيأ و مخصصاً للرب، كما قال الرب: أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ (يو15:3).

ثالثا: يلبس

كان كاهن العهد القديم يلبس ثياباً بيضاء، وهذا يعني في ضوء العهد الجديد وجودنا في المسيح قديسين: لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ.(غلاطية27:3). فَرَحاً أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا(إشعياء61:10). وإذ ألبسنا الرب رداء البر علينا أن نحافظ علي هذه الثياب بيضاء في بر عملي و حياة أدبية تمجده كما هو مكتوب:ُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ (رومية12:13-14)

رابعا: يقـدس

1- تقديم ثور ذبيحة خطية عن هارون وبنيه. ويوضع دمه على قرون المذبح محرقة، ويصب الدم أسفل المذبح للتقديس والتكفير ويؤخذ الشحم من المذبح ويحرق الثور خارج المحلة. وفي تقديم هذا الثور كذبيحة نري أن موت المسيح علي الصليب هو الأساس للتكفير والتقديس , فَبِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً. (عب10: 10)

خامسا: يُمسَح

يأخذ موسى من دهن المسحة وينضحه على الكاهن وثيابه (خر29: 21). ودهن المسحة إشارة للروح القدس، فمكتوب :وَلَكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضاً، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا (2كو21:1و22). ودائما يأتي الزيت بعد الدم (أع10: 38 ، أف1: 13). فعلينا ألا نحزن الروح: وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اَللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ لْفِدَاءِ (أف4: 30) ولا نطفئه: لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ (1تس5: 19) بل نمتلئ به: وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ، (أف5: 18). وعندها نكون بحق مكرسين.

سادسا: تُملأ يديه

1- أجزاء من كبش الملء: أ-شحم الكبش (إشارة لرغبات وعواطف المسيح الداخلية). ب-الإلية. ج-الشحم الذي يغطى الجوف. د-زيادة الكبد (وفيها يوضع الحجاب الحاجز ويشير إلى أنفاس المسيح). هـ-الكليتان وهى إشارة لدوافع وبواعث المسيح الداخلية (مز7: 9 ، إر17: 10 ، مز26: 6). و-الشحم الذين على الكليتين. ى-الساق اليمنى أو الكتف اليمنى وهى صورة لقوة إمكانيات واحتمال المسيح.
2- خبز السلة : أ-قرص خبز فطير إشارة للمسيح الخالي من الخطية (2كو5: 21 ، 1بط2: 22 ، 1يو3: 5). ب-قرص فطير ملتوت بزيت إشارة للمسيح الذي ولد بالروح القدس (لو1: 35). ج-قرص فطير مدهون بزيت إشارة للمسيح الذي امتلاء بالروح القدس (لو4: 1 ، أع10: 38 ). فبعد ملء يدي الكاهن بهذه الأجزاء بعد أن فرغت من الخطية التي وُضِعت على التنور لا يكون مجال لشيء ما عدا المسيح، وهذا معنى التكريس (تك14: 20-24 ، دا5: 17 ، 2مل5: 16). في ملء الأيدي بكبش الملء وخبز السلة نرى معنى جميلاً للتكريس.

سابعا: يأكل

يأكل الكهنة من التقدمات التي كُفِّر بها عنهم لملء أيديهم لتقديسهم، فالذين ملأوا أيديهم بالمسيح بعد تقديسهم يكون هو نفسه أيضا غذاءهم كخبز الله النازل من السماء (يو33:6). اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ وَلِلنَّفْسِ الْجَائِعَةِ كُلُّ مُرٍّ حُلْوٌ (أم 7:27). فبالتمتع المستمر (ملء اليد) والشبع الدائم بالمسيح لا يكون لدي المكرس أي فراغ أو جوع ليملأ يديه بالعالم أو يشبع جوعه بخرنوب العالم (لو16:15). وفى الغذاء بالمسيح تزداد قوة الشركة مع الآب فيزداد تكريسنا ورفضنا لكل طعام العالم. أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ (مز15:17)

الدرس في عبارة واحدة :

التكريس لا يعني التخلي عن أمور لأجل الرب بقدر ما يعني الامتلاء بالرب و الشبع به لدرجة الاكتفاء و الترك التلقائي لكل ما عداه.

صلاة:

أيها الرب يسوع المسيح , أثق فيك و أملأ يدي بك فمعك لا أريد شيء علي الأرض, أنت وحدك مصدر شبعي , دمك الذي سفك لأجلي أقبله علي أذني, فلا أسمع و لا أطيع إلا صوتك .أقبله علي يدي فكل قواي لك وقفت فمعك صلبت عن الجسد و العالم .و أقبله علي قدمي فلن أسير إلا حيثما تسير إني بصليبك و بحبك, لك وحدك أنا أسير إلي أن ألقاك آمين