فرصة جديدة للتكريس

قرأت قصة طريفة تقول: “تعوّد أحد الإخوة في الكنيسة أن يصلي صلاة طويلة يختمها دائماً قائلاً: “يا رب أزِل كل خيوط للعنكبوت من حياتي.” لكن الإخوة لاحظوا أن حياة الأخ لا تنمو، وأنه لا يعيش حياة التكريس التي يصلي لأجلها منذ أعوام. وفي ليلة، بعدما ختم الأخ صلاته بهذه العبارة، صلى أحد شيوخ الكنيسة قائلا: “آمين يا رب استجب صلاة أخي، لكن اقتل العنكبوت نفسه يارب، حتى لا يكون هناك خيوط في حياته بعد ذلك.” قال ألكسندر وايت إن حياة التكريس الحقيقية هي بدايات وتوبة صحيحة وصادقة بعد كل سقوط.

سأبدأ هذا الفصل بآية صغيرة في نهاية حياة شمشون: “وَابْتَدَأَ شَعْرُ رَأْسِهِ يَنْبُتُ بَعْدَ أَنْ حُلِقَ” (قض 16: 22). إن كنت بدأت طريق التلمذة والتكريس والانتذار ولكن السقوط يتكرر، أذكرك أن إلهنا ليس إله الفرصة الثانية فقط (حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ:”يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ:”لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. – مت 18: 21و22). فإن كان الرب طلب منا أن نغفر 70 مرة 7 مرات فكم يكون غفرانه لنا وإعطاؤه الفرصة تلو الأخرى للتكريس.

إنه الفخاري الأعظم الذي لا ييأس منك، حتى إن يئست أنت من نفسك: “الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ الرَّبِّ: [قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي]. فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلاً عَلَى الدُّولاَبِ. فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: [أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهَذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هَكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ والْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ فَتَرْجِعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا.وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ” (أرميا 18: 1-8)

مرقس والفرصة الجديدة :

ذهب برنابا وبولس إلي أورشليم حاملين خدمة الكنيسة في إنطاكية إلي الإخوة الساكنين في اليهودية (أع 11: 27- 30) وعند رجوعهما إلي إنطاكية أخذا معهما يوحنا الملقب مرقس. (أع 12: 25) وعندما أفرزت الكنيسة في إنطاكية – بناء علي أمر الروح القدس- برنابا وبولس للخدمة، أخذا معهما مرقس في رحلتهما التبشيرية الأولى (أع 13: 1- 5) مساعداً لهما. ولما وصلوا إلي برجة بمفيلية، فارقهم مرقس ورجع إلي أورشليم (أع 13: 13). ولا يذكر لنا لوقا السبب في عودة يوحنا مرقس إلي أورشليم، والغالب أنه لم يحتمل مشقة الخدمة والترحال، لهذا يعتقد الكثيرون أن مرقس في بداية شبابه كان مرفها، وفي الغالب هو نفس الشخص الذي كتب عن نفسه: وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِساً إِزَاراً عَلَى عُرْيِهِ فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَاناً (مرقس15: 51و52).

وهذا الأمر ضايق بولس جدا الذي يهتم بالجندية و التكريس في الخدمة حتى إنه رفض اصطحابه في الرحلة التبشيرية الثانية، مما أدى إلي افتراقه عن برنابا الذي أخذ معه مرقس إلي قبرص، أما بولس فاختار سيلا وسافر إلي سورية وكيليكية يشدد الكنائس (أع 15: 36- 41) وبعد نحو 11 سنة، يكتب عنه بولس في رسالته إلي الكنيسة في كولوسي: “يسلم عليكم أرسترخس المأسور معي ومرقس ابن أخت برنابا، الذي أخذتم لأجله وصايا. إن أتى إليكم فاقبلوه” (كو 4: 10). وفي آخر أصحاح من آخر رسالة كتبها بولس يقول: خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ (2تي4: 11). نعم مرقس تغيّر وصار تلميذاً ناضجاً قوياً، وقد اغتنم الفرصة الثانية التي أعطاها الرب له عن طريق برنابا المشجع. كم يعوزنا الآلاف من برنابا في أيامنا، لا يطردون شاباً فشل مرة في تكريسه، بل يحتضنونه ويعظونه ويعطونه الفرصة الثانية، ليخرج مرقس النافع للرسول بولس في شيخوخته وآخر أيامه.

هل تعلم أن التاريخ يذكر أن مرقس هو الذي أتى بالإنجيل لبلادنا المصرية؟ وأنه استشهد في مدينة الإسكندرية عندما قيّدوه وربطوه في فرس ظل يسحله ويجره لِتُرْوَى بذرة المسيحية في مصر بدماء القديس مرقس الذي بدأ بداية فاشلة ورجع عن الخدمة؟ هل تركت تكريسك للرب لأي سبب؟ قم الآن وابدأ من جديد، فدائماً هناك فرصة جديدة للتكريس ومدرسة الله لن تغلق بابها في وجهك إطلاقاً، إلى مجيء الرب.

تشجع واسمع صوت الرب لك الآن:” قُمِ اصْعَدْ إِلَى بَيْتَ إِيلَ وَأَقِمْ هُنَاكَ واصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلَّهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ حِينَ هَرَبْتَ مِنْ وَجْهِ عِيسُو أَخِيكَ. فَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ اعْزِلُوا الآلهة الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ. وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ فَأَصْنَعَ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلَّهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي وَكَانَ مَعِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتُ فِيه. فَأَعْطُوا يَعْقُوبَ كُلَّ الآلهة الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَالأَقْرَاطَ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي عِنْدَ شَكِيمَ. ثُمَّ رَحَلُوا.(تكوين35: 1-4)

الدرس في عبارة واحدة:

الله هو الفخاري الأعظم الذي لن يفشل في تدعيم أي مؤمن يرغب في التكريس. ودائماً عند الرب فرصة جديدة للتكريس، فلتغتنمها الآن.

صلاة:

يا رب، أنت المكتوب عنك أنك َإِلَهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي االْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيراً، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ. أعطِني أن أغتنم هذه الفرصة الجديدة للتكريس وأكون بالكامل لك ليوم مجيئك. آمين.