تكريس 1

التكريس (1)

التكريس ليس هو الصيام والصلاة، مع أهميتهما، لكنه القلب المخصص – بدون تجزئة – للرب، والذي يطلب – بكامله – الرب ومجده وعمله.
في العهد القديم (سفر العدد الأصحاح السادس)، نقرأ عن شريعة النذير التي توضح معنى التكريس. أدعوك أن ترافقني في التأمل فيها:

أولاً: معنى النذير:

كلمة النذير مأخوذة من الكلمة العبرية .(Nazar) وتعني: تكريس أو تخصيص أو انفصال. والكلمة نفسها تستخدم بمعنى إكليل أو تاج (2مل11: 12). فما أحلى التكريس والانفصال عن كل شيء من أجل للرب. قال أحدهم: ” إن القلب المُجَزَّأ لن يشبع قلب الله تمامًا، والإنسان المشتت القوي لن يصلح للنجاح في الحياة الروحية. فإن كان الإنسان يريد أن يحصل على النمو والازدهار والنجاح، عليه أن يكرس نفسه وفكره وماله ومجهوداته لما يريد النجاح فيه. فالتاجر الذي يوزع جهده بين التجارة ومائدة القمار، فاشل لا محالة. والطالب الذي يوزع وقته بين المذاكرة والسينما والروايات، لن يتفوق. والزوج الذي يوزع عواطفه بين زوجته وأخريات، يتحول بيته لجحيم، ولابد أن يُهدَم هذا البيت. هكذا الرجل الذي يريد أن يشبع قلب الرب ويستخدمه الله، ينبغي أن يتجه بكل قلبه وعواطفه ووقته ومواهبه في اتجاه واحد وغرض واحد هو الرب يسوع المسيح.”

ثانيًا: أين ترد شريعة النذير؟:

ترد في سفر العدد (6: 2- 21)، وفي ذلك تعليم رائع :

أ- سفر العدد هو سفر البرية: فمكان التكريس هنا على الأرض، ليس في السماء.

ب- تأتي بعد شريعة المرأة الخائنة: وهي تشير إلى شعب الرب الذي ترك الله، وخانه. فنرى نذيراً يرخي شعره، وكأنه يعلن الأمانة الفردية وطاعة الرب، وقت خيانة الشعب.

ج- تأتي بعد اللعنة: خيانة (5: 22) + لعنة (5: 23) + نذير (6: 1-21)= بركة (6: 22- 27)

ثالثًا: لمن يحق الانتذار؟:

1- «لينتذر للرب» (ع2). وهذا هو الجانب الإيجابي للانتذار. فكثيرًا، عندما نسمع تشجيعًا على التكريس، يكون التركيز على الجانب السلبي: أن يترك الشخص كذا وكذا. وهذا صحيح. إلا إن التكريس الحقيقي لن يتحقق في حياة المسيحي إلا بكون الدافع الوحيد له هو الرب ومحبته ومجده.

2- تطوعي: «إذا انفرز» (ع1). وهذا أسلوب الرب مع شعبه. «قَالَ لِلْجَمِيعِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي.» (لو 9: 23)

3- الدعوة فردية: الأمانة فردية في الأيام الأخيرة (2 تي 3: 10).

4- متاح للجميع: رجل أو امرأة (وليس الكاهن أو اللاوي فقط)، فلا يتوقف على موهبة أو خدمة؛ أو فتيان (عا 2: 11( أو أطفال: صموئيل ويوحنا المعمدان كانا نذيرين من البطن.

رابعًا، شروط النذير:

1- لا يشرب الخمر وكل ما يُصنع منه:وهذا تنازل عن حقه، فاليهودي من حقه شرب الخمر في أفراح العيد (تث 18: 4). أما المُكرس فيكتفي بأفراح الروح القدس (أف 5: 18).

2- يرخي شعره: من صفات المرأة (1كو 11: 15) للتعبير عن الخضوع كالإناء الأضعف (1 بط 3: 7). فالنذير يعلن ضعفه بدون الرب (2 كو 12: 10، يو 15: 5). ويعلن خضوعه للرب (إش 50: 4، عب 5: 8).

3- لا يلمس ميتاً: العالم كله قد صُلب وصار كجثة بالنسبة للمؤمن: «حَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غل 6: 14). فالمُكرس الحقيقي لا يهتم بأمور العالم (1يو 2: 15). ولا يشارك غير المؤمنين أعمالهم الشريرة (2 كو 6: 14)، فكل خاطئ ميت بالذنوب والخطايا (أف 2: 1). ولا يشارك في أعمال الموت: «أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأُخْتُهُ لا يَتَنَجَّسْ مِنْ أَجْلِهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ لأَنَّ انْتِذَارَ إِلهِهِ عَلى رَأْسِهِ. إِنَّهُ كُل أَيَّامِ انْتِذَارِهِ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ» (عد 6: 7، 8).

صلاة:

يارب قبل أن تطلب مني أن أصير مخصصاً ومقدساً لك، قام ابن الله يسوع بتقديس نفسه لأجل كل العالم. لذلك عندما أعطيك الحياة، فأنا أقدمها كرد فعل لما عمله المسيح لأجلي أنا. اقبل حياتي يارب فإنها لك. آمين.