لقد شارك الرب يسوع الأخبار السارة بطرق متنوعة (من خلال القصص، الأسئلة، الأمثلة، الوعظ والتعليم..) كما شارك بطريقة فردية (نيقوديموس، السامرية..)، ولمجموعات صغيرة (التلاميذ)، لقد شارك في مكان العبادة الرسمي (الهيكل)، وشارك في الأماكن المفتوحة (الموعظة على الجبل). وكذلك كرز بولس الرسول وجها لوجه، وبالمراسلة المكتوبة عن بعد. ومع اختلاف وسائل وأساليب مشاركة الأخبار، كانت هناك أسس ثابتة لنجاح الكرازة مهما تنوعت الوسائل، واختلفت المهارات والامكانيات.

 

أهم هذه الأسس:

1- الاعتماد على روح الله القدوس لا المهارات الشخصية:

فالأمر مرتبط بعمل الروح القدس في قلب وعقل الشخص الآخر أكثر من ارتباطه بمهاراتك ووسائلك. وخلاص النفوس مبني بالتمام على فداء ربنا يسوع المسيح الكامل، وقوة كلمته. لذا يجب أن نتأكد أن دورنا ليس تغيير النفوس، إنما المبادرة بتقديم الأخبار السارة، بالاعتماد الكامل على عمل الروح القدس وترك النتائج لله.
لذلك، فأهم شيء لنجاح الكرازة هو الصلاة والتضرع أمام إلهنا القدوس بانتظام لأجل خلاص الآخرين، وطلب قيادة وإرشاد الروح القدس في كل خطوة نخطوها.
“الصلاة من أجل الآخرين هي الوسيلة الأساسية لربحهم، ودونها كأن لا شيء ذو قيمة، فهي الطاقة التي تحرك كل شيء آخر. ومن أجمل الصلوات من أجل الآخرين صلاة السيد المسيح قبل الصلب، أو ما تسمى بالصلاة الوداعية (إنجيل يوحنا 17). فهو يركز في صلاته من أجل تلاميذه وكنيسته قائلا: مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ… أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ… لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلًا فِيهِمْ… لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ… قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ… لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا… لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا… لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ… يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي… لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ.
فهي طلبات محددة ومركزة في نفس الوقت حسب احتياجهم، فالسيد المسيح يقدم لنا نفسه قدوة لنعرف أهمية الصلاة ونحتذي به. فالصلاة هي المفتاح الحقيقي لربح الآخرين.” (الراهب القس يوأنس الأنبا بولا – كتاب هلم نربح الآخرين)

 

2- المشاركة في تسديد احتياجات المخدومين:

الناس اليوم يتلقون الكثير من الرسائل أينما ذهبوا، عن طريق زملاء العمل، ووسائل الإعلام والإنترنت والصحف…إلخ. ومع ذلك، فالرسائل التي يهتمون بها هي التي تتحدث مباشرة عن احتياجاتهم واهتماماتهم “هم”. ويبتعدون بصورة آلية عن باقي الرسائل. كما أن ربنا يسوع المسيح نفسه كان يهمه الناس، فكان يجول يشفي ويسدد احتياجاتهم أولاً، فقد صار إنساناً مثلا يشعر بآلامنا و لا يستهين باحتياجاتنا، فيسأل المريض (أتريد أن تبرأ؟)، ويطلب من زكا المنبوذ اجتماعيا (أن ينزل من على الشجرة لأنه مزمع أن يزوره في بيته ويتعشى معه) .. ويسأل المرأة السامرية ماءً …
و نحن أيضاً، في اهتمامنا بخلاص من حولنا، لا ينبغي أن نغفل احتياجاتهم النفسية أو الجسدية، فنبدأ بالتواصل معهم من منطقة احتياجاتهم، ووجهة نظرهم “هم”، فهذه هي البداية الصحيحة إذا أردنا أن نهتم حقا بهم “هم” وأن نقودهم من حيث هم إلى حيث ربنا يسوع المسيح.
كما يقول قداسة البابا شنودة الثالث – كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي: إن كل نفس تعمل معها عملًا فرديًا، لها ظروفها الخاصة، وعقليتها الخاصة، ولها ماضيها وحاضرها، وبيئتها وضغوطها، ولها مشاعرها وأحساسيسها ومفاهيمها. وليست كل نفس تنفعها نفس الكلمة. لذلك فإن العمل الفردي يحتاج إلى حكمة، تتخير الكلام المناسب، والأسلوب المناسب، ونوع المعاملة..”

 

3- المثابرة و الاستمرارية:

هناك أشخاص سلكوا وسط مصاعب كثيرة وقوى مضادة، ولكن مثابرتهم وثقتهم في الله وفي أنفسهم جعلت تلك المصاعب تتراجع أمامهم، لذلك يقول الكتاب:”من أنت أيها الجبل، العظيم أمام زربابل تصير سهلًا” (زك7:4).

إن الشيطان يهرب ويتراجع أمام القوي، في حين يتقدم بجرأة نحو الضعيف الذي يتخاذل أمامه. الشيطان مثل وحش رديء، كلما طاردته هرب من قدامك، بينما إذا تراجعت أمامه يطاردك بدوره.
السالك بحسب مشيئة الله لا يتحسب لما يقابله، فهو ثابت القلب. الكسلان ضعيف القلب متخاذل: “قال الكسلان: الأسد في الطريق. الشبل في الشوارع” (أمثال13:26). ويقول الجامعة: “الذي يرصد الريح لا يزرع ومن يراقب السحب لا يحصد” (جا11 : 4). واليائس يجمع حجارة الطريق كلها في كومة واحدة ليسد بها الطريق ويقف أمامها متحيرًا، أما المتسلح بالرجاء فهو يسير برفقة المسيح – وهو الطريق- وهو سيهبه نفقة الطريق. ويقول إشعياء النبي: “طريق الصديق استقامة، تمهد أيها المستقيم (الله) سُبل الصديق.” (إشعياء 26: 3)
هذا المُثابر كلما صادف حجرًا في طريقه التقطه ليضعه جانبًا ويواصل مسيرته، بل حتى متى وقع – ربما لتهاون أو لشدة الحرب عليه- فهو ينهض ثانية ينفض عن ثيابه الغبار ليواصل مسيرته من جديد. في هذا يقول أحد القديسين: “يستطيع الإنسان أن يبدأ كل يوم إذا كان مجاهدًا.” كما أن الذي اختار الطريق من البداية بوعي وقناعة، لن يتشكك في اختياره، وإذا حدث أي تشكيك فإنه موقن مسبقًا أنها حرب وستنتهي. (الأنبا مكاريوس الأسقف العام – كتاب مفتدين الوقت – المثابرة في الطريق)

خدمة الإنجيل “عملية” مستمرة، وليست “حدثاً” أو واجباً نقوم به مع شخص لنتركه و نذهب لآخر. فكثيرون ممن يقررون الرجوع للأحضان الإلهية لا يتخذون ذلك القرار في أول مرة يسمعون فيها عن محبة الله و الخلاص المعد لهم.

 

لذلك:

1- ازرع كثيراً لتحصد كثيراً. وكلما زرعنا صلوات ودموع أكثر، و كلما كان اهتمامنا أن يسمع الجميع عن محبة ربنا يسوع بوسائل وأساليب متنوعة، كلما كان الحصاد أكثر وأعظم. فالحصاد كثير و لكن الفعلة قليلون …
2- اعتن بالبذور المزروعة بالإصغاء والتفهم و الرد على أسئلة المتشككين والاهتمام باحتياجاتهم النفسية والروحية بقدر استطاعتك، أوحاول توصيلهم لخدام الكنيسة ليرعوهم و يهتموا بهم، مع الاستمرار في تقديم شخص ربنا يسوع المسيح (المحب – المخلص – الصديق و الأب…) إلى أن ياتي وقت الحصاد.
فاذكر قول الكتاب: “ارم خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة” (جا1:11). هناك نفوس تحتاج إلى مدى زمني حتى تقبل كلمة الله، وحتى يمكن أن تأتي الكلمة فيها بثمر.. والأمر يحتاج إلى صبر ومثابرة. (قداسة البابا شنودة الثالث – كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي -3)

 

تطبيق:

وسع نطاق صلواتك فاجعلها تشمل مثلاً كل اصدقائك على صفحة الفيس بوك وليس فقط لمجموعة صغيرة، وصل من أجلهم يومياً خلال هذا الأسبوع ليهئ الله قلوبهم و ليفتقدهم بنعمتة المخلصة، وحاول أن تنتهز أي فرصة لإعطاء اهتمام وتقدير شخصي ومحبة عملية لهم حسب احتياجاتهم. و قدم رسالة الانجيل لشخص او اثنين من الذين كنت تصلى من اجلهم من قبل.

 

صلاة:

ربى و إلهى يسوع المسيح أشكرك من أجل نعمتك الجزيلة و من أجل حبك غير المحدود و نعمتك التى افتقدتنى، فساعدنى ربي لكى يكون لي للاهتمام بإخوتى البعدين عنك حتى آتى بهم إلى حضنك الإلهي.لقد دعوتني يا سيد لأعمل في حقلك فأعني و هبني قلباً مخلصاً و غيرة مقدسة من أجل خلص النفوس . آمين.