يردنا الله أن نتعلم منها في كل موقف نمر به،أو حدث يحدث لنا، أو تجربة تمر بنا، أو فرحة تملأ قلبنا، أو ألم يمزق نفسنا. ومراحل الدراسة التي نجتازها هي إحدى مناهج الحياة التعليمية التي أراد لنا الله أن نتعلم منها.وفي كل مرحلة نقطعها نتعلم جديداً، حتى إن لم ندرك هذا في حينه، أو نقتنع به ونحن نمر به.ولا صحة لما يتحجج به البعض من أسباب أو ظروف صعبة تمنع صاحبها من أن يصل إلى أعلى مراتب العلمويحصل على أعلى الشهادات. والتاريخ – بعيده وقريبه – يشهد على ذلك،ويطلعنا على أمثلة مثيرة للإعجاب، وصلت لأقصى ما يستطيعه المرء من نجاح برغم قسوة ظروفها ومرارة أحوالها.ويكفينا هنا أن نذكر مثلين من أجمل ما يكون على النجاح الكبير برغم قسوة القدر عليهما وحرمانه إياهما مما يتمتع به معظم الناس.الأول هو عميد الأدب العربي طه حسين،
الذي فقد بصره وهو طفل لم يتعدَّ السادسة من العمر، ومع ذلك، فقد كانت عزيمته الجبارة وإصراره العجيب داعمين له للوصول إلى هدفه الذي وضعه نصب عينيه المكفوفتي البصر: النجاح، بكل ما للكلمة من معنى. وقد وصل طه لهدفه الثابت، وحصل على ليسانس الآداب، ومن بعده درجتيّ الماجستير والدكتوراه من أكبر جامعة في العالم: السوربون بباريس. ولم يكتفِ قاهر الظلام بذلك، بل واصل صعوده سلم النجاح حتى وصل إلى منصب وزير المعارف،
وقال قولته المأثورة: “التعليم كالماء والهواء”.
وبالإضافة لكل ما سبق، وبالتوازي معه، كان طه حسين أديباً مبرزاً، كتب – أو هو أملى – عشرات الكتب الأدبية والثقافية، والتي صارت تراثاً تفخر به مصر والأدب العربي كله. والمثل الثاني هو عالم الفيزياء والكون الإنجليزي ستيفن هوكينج،الذي عانى منذ شبابه المبكر من مرض نادر يدعى التصلب الجانبي الضموري،أو مرض لو جريج، وهو داء يصيب الأعصاب، مما سبب له شللاً تدريجياً على مر السنين. وبرغم مرضه المضني، حصل هوكينج على الدكتوراه في علم الكون، وأصبح أستاذاً في الجامعة. وقبل أن يصل للثلاثين من عمره، كان قد فقد القدرة على الكتابة، إذ لم تعد يداه تسعفانه. وبرغم ذلك، كان هوكينج يرفض قبول المساعدة بسبب إعاقته. ومع الوقت، فقد أيضاً القدرة على الكلام بوضوح، فلم يعد يفهمه إلا المقربون منه فقط.وبمرور الوقت، فقد القدرة على النطق والحركة تماماً. ومع ذلك، وبوجود هذه الإعاقة الشاملة،
استطاع هوكينج أن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء،وأن يؤلف العديد من الكتب العلمية في الفيزياء والكون، وأن يحصل على سبع جوائز علمية كبيرة. والنجاح الأدبي والعلمي شيء جميل وهدف قيم، لكنه – مع ذلك –ليس كل شيء في حياتنا، فعند انتهاء رحلتنا على الأرض، لن يعد لهذا النجاح استمرارية في حياتنا الأبدية، فهو – على أهميته وعظم قيمته – أمر مؤقت،له نهاية. لكن النجاح الذي سوف يستمر معنا بعد رحيلنا عن هذا العالم الفاني.. هو النجاح الروحي، أي النجاح في إقامة علاقة بنوة وطيدة لله الآب، مصدر وجودنا، ومالك حياتنا، وسر الفرح الحقيقي للقلب.
الله الذي يحبنا محبة لا نظير لها، والذي أعد لمن يحبونه ويتمتعون بالعشرة الحلوة معه أثناء حياتهم الأرضية،مكاناً دائماً في ملكوته الأبدي، ونصيباً صالحاً لا نهاية له في بيته السماوي.
ليتنا نضع نصب أعيننا هدفين لا ينازع أحدهما الآخر: هدفاً صغيراً محدوداً هو نجاحنا الأدبي والعلمي في الحياة،
وهدفاً كبيراً غير محدود هو نجاحنا الروحي بنوالنا النصيب الصالح في الحياة الأبدية في ملكوت أبينا السماوي، ملك الكون.للاشتراك فى كورس النمو
بقلم/أشرف مكرم
اضف تعليقًا
يجب logged in لكي تضيف ردا.