التلميذ المتضاعف:”هو التلميذ الذي يشارك البشارة مع الاخرين ليربح النفوس، يبنيها ويتلمذها، فيُرسلها لتربح آخرين”

منذ عدة شهور كنت أنا ورجل أعمال نتناول معاً وجبة الغذاء، وفي أثناء تناولنا الطعام سألته: ما هو أهم شيء يشغل تفكيره؟ أجابني بأنه مشغول بعملية إعادة تقييم نسبة التكلفة والربح في شركته. وكانت الفكرة بسيطة، فلكي تبقى شركته، وتستمر في العمل والإنتاج، كان عليه أن يتأكد أن تكاليف إنتاج السلع ليست أكبر من الثمن الذي يستطيع أن يبيعها به. أستطعت أن أفهم أهمية هذه الطريقة، فإذا كانت السلعة تكلفني 60 جنيها وأبيعها ب 50 جنيها فإنني سوف أخرج حالا من دائرة الإنتاج.

إن التلمذة هي فرصتنا لكي نأخذ موارد الله غير المحدودة. فالله يعطينا الكثير من العطايا، ثم يأتي ويقول لنا أن نعطيه كل هذه العطايا – بلا استثناء – وذلك لكي يضيف إليها موارده اللا نهائية، ويعطيها كلها لنا. فالتلمذة فرصتنا لنكرِّس حياتنا لشيء له معنى وأهمية. ومن الضروري أن يفهم التلميذ أننا لا نقدم معروفاً لله، بل هو الذي يقدم لنا هذا المعروف.

وفي نفس الوقت، ينبهنا يسوع أن نعمل حساب النفقة، فالتلمذة ستكلفنا بعض الأمور: “حياتنا”! لكن الربح سيكون أعظم من التكلفة بكثير، حتى أنه من السذاجة أن يرفض أحد هذا العرض.

إننا كتلاميذ ليسوع يجب أن نعيش حسب مبادئه، وليس حسب الظروف، عالمين أن العالم يراقبنا كما كان يراقبه. التلميذ هو الشخص الذي يأخذ قراره من الإنجيل في كل مجالات حياته، ويقرر أن يفعل ما هو صواب طول حياته، دون أن يسمح للظروف أن تشكل سلوكه. هذا هو المبدأ الأول.

 

والتلميذ هو أيضاً الشخص الذي يكون على اتصال دائم بالمحتاجين للمساعدة، مثلما كان يسوع.

والتلميذ هو الشخص المتضع، الذي لا يسعى إلى الكرامة، فإن لم يعطها له الناس أحس بالمهانة.. لكن، إن رأى الناس اتضاعه، فإنهم هم يسعون إلى إكرامه. كما علمنا يسوع في مثل العرس والمتكأ الأول (لوقا8:14-10). فوصايا الله ليست استبدادية، لكن الغرض منها هو خيرنا نحن. “لأن كل من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع” (لوقا 11:14). فالرغبة في الارتفاع أمر مشروع، لكن يسوع يعلمنا أن هذه الرغبة يجب أن تُشبع بطريقته هو.

 

إن كل إنسان يرغب في الأخذ ولا يحب أن يدفع الثمن. ويعتقد كثير من الناس أن ذلك ممكن، لكن هذا ضد قواعد الله، فلا أحد يمكنه أن يأخذ بدون أن يعطي، والتلميذ هو الشخص الذي يعلم هذه الحقيقة العظيمة ويعمل بمقتضاها.

في مثل الوليمة العظيمة (لوقا 15:14-24)، يشرح لنا يسوع كيف رفض العظماء وذو الشأن دعوة العشاء، فأرسل السيد عبده ليأتي بالمساكين والعُرج والعُمي بدلاً من علية القوم. وهذا المثل يشير إلى ملكوت السموات والوليمة العظيمة مع الله الآب والرب يسوع. فالناس الذين رفضوا الدعوة فعلوا ذلك لأنهم لم يعرفوا من هو صاحب الدعوة. وبالمثل، فقد صلب الرومان وقادة اليهود يسوع لأنهم لم يعرفوا من هو. والآن، يرفض الناس الله لأنهم لا يعلمون من هو الذي يرسل لهم الدعوة.

 

إن الإيمان لا يكلفنا شيئاً، فالكتاب يقول: “لأنكم بالنعمة مخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله” (أفسس8:2-9). ولكن هناك ثمناً لكي يصبح الإنسان تلميذاً، وهو الانشغال بأمور الله وليس بأموره هو الشخصية. إن صوت الله يأتي دائماً للإنسان هادئاً أثناء قراءة المؤمن لكلمة الله. والتلميذ هو الشخص الذي يسمع صوت روح الله ويتجاوب معه. والتلاميذ لا يسمعون فقط ما يقوله الله لهم، لكنهم يحيون بمقتضاه أيضاً. إن من ضرورات التلمذة الشعور بالاحتياج لشيء ما أكثر مما يستطيع الإنسان أن يفعله لنفسه.

وتكلفة التلمذة تكمن في استعداد التلميذ للتخلِّي عن كل ولاء لأي شخص أو شيء، مفضلاً يسوع المسيح. فلكي أكون تلميذاً ليسوع يجب أن أنفذ أوامره حتى عندما تبدو أنها ستكلفني أمي أو أبي أو زوجتي أو زوجي أو أطفالي.

 

ويذكر لنا يسوع (في لوقا 28:14) مثل بناء البرج، ليعلمنا به أهمية حساب التكلفة بدقة في موضوع التلمذة قبل أن يكرس الإنسان نفسه للمسيح، فلا يجب أن نبدأ في عمل ما إلا إذا كنا مستعدين أن نكمله. وفي نفس الفكرة، يعطينا الرب يسوع صورة توضيحية أخرى لحساب التكلفة، وهي صورة ملك ذاهب للحرب؛ فعندما أدخل في معركة مع العدو لابد لي من إجابة سؤالين: هل أستطيع بمواردي أن أهزمه؟ وهل أريد أن أدفع تكلفة هزيمته؟ إذا كانت الإجابة عن السؤالين بالنفي، فمن الحكمة عدم دخول المعركة. وفي هذه الحالة، سيكون عليك عمل هدنة مع الشيطان: أنت تتركه في حاله، وهو يتركك في حالك. لكن تذكر أن الشيطان هو كذاب وأبو كل كذاب، إنه سيخونك برغم الاتفاق بينكما، ولن يتركك في حالك. وسيكون الثمن الذي سوف تدفعه لكونك لست تلميذاً، أكبر بكثير من الثمن الذي تدفعه لكونك تلميذاً.

 

لقد شبَّه المسيح المؤمن الذي يرفض أن يكون تلميذاً بالملح الفاسد. لقد كان لدى المؤمن الفرصة أن يكون الأول، لكنه اختار أن يكون الأخير عندما رفض التلمذة، فلا تفعل مثله! قرر أن تدفع ثمن كونك تلميذاً للمسيح، ودمر بعزم كل سبل التقهقر والتراجع. اعزم من قلبك أنه مهما كان ثمن تبعية المسيح، فأنت مستعد أن تدفعه.

 

صلاة:

يارب اجعلني أعيش وفق كلامك، لا مُتشبهاً بالعالم. فالعالم تعاليمه هو كيف أحصل وكيف أستمتع، ولكن كلمتك المقدسة تقول السرور في العطاء أكثر من الأخذ. لذلك ساعدني أن أقدم نفسي لك وللآخرين وأفعل كما فعل يسوع. آمين

 

تطبيق:

انفق الجهد والمال في سبيل الوصول إلى كل شخص بعيد عن المسيح، خصص وقتاً لتقضيه مع من قدمت لهم البشارة المفرحة، وليكن ساعة كل يوم.