لا نعلم كثيرًا عمن هو هذا المفلوج!! ويبدو أنه كان شاباً في ريعان الشباب عندما جاءوا به إلى المسيح،لأن لغة المسيح
له «يابني.. تفيد – على الأغلب – أنه كان حديث السن…ولا نعلم متى وكيف أصابه هذا الشلل الكامل، ولا نعلم هل كان
بسبب الخطية أم لا.
الشلل يرمز إلى الخطية من نواح ثلاث:
- أن المريض بالشلل يكون عديم الحساسية أو ضعيفها، والخاطيء عديم الحس أو كما يقول الرسول في وصف الأمم
البعيدين عن الله :
«الذين إذ هم قد فقدوا الحس أسلموا نفوسهم للدعارة ليعلموا كل نجاسة في الطمع» (أف 4 : 19)
«عيناك تنتظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية وتكون كمضطجع في قلب البحر أو كمضطجع على رأس سارية،
يقول ضربوني ولم أتوجع. لقد لكأوني ولم أعرف. متى أستيقظ. أعود أطلبها بعد» (أم 23 : 34 ، 35).
- إن عدم الاحساس يصل مرات كثيرة عند الخاطيء إلى اللامبالاة والاستهتار.
- أن المفلوج يشير إلى عدم الحركة، والخاطيء إنسان لا يتحرك في اتجاه الحياة الأبدية والحق والخير، فهو أشل يدًا
ونفسًا وقدمًا وجميع أعضائه مصابة بعدم الحركة، فهو لا يمد يده لعمل الخير، ولا يسعى بقدميه إلى بيت الله، وأعضاؤه عاطلة
عن الخدمة، فهو عضو أشل أمام الأبدية.على أنه إلى جانب هذا كله، يبدو أن المريض كان معذب النفس يجوز صراعًا داخليًا
عميقًا، كشف عنه السيد المسيح في العلاج الأهم الذيي كان يحتاج إليه،دون أن يفصح عنه، وفي الحقيقة أن الخطية هي
سر العذاب النفسي والجسدي على حد سواء في قصة التاريخ الإنساني على هذه الأرض.على أنه يمكن أن نرى فريقًا آخر
وهم الذين التفوا حول المسيح وتزاحموا حتى أغلقوا الطريق على الداخلين، وهم يمثلون الج
«إذ الضرورة موضوعة على. فويل لي إن كنت لا أبشر» (1كو 9 : 16).
ومن الواجب أن نذكر أن هؤلاء الأربعة لم يكونوا مؤمنين فحسب، بل أكثر من ذلك، كانوا مكتشفين، فعندما لم يجدوا
في الزحام سبيلاً إلى المسيح. اخترعوا الطريق، واكتشفوا السبيل،إذ دلوا المريض من السقف بعد أن نقبوه. كان هم
المفلوج ومساعدوه الأربعة الخلاص من مرض الشلل،وكانت تلك غايتهم الأولى والأخيرة، لكن المسيح كان يرى شيئًا آخر
أهم من الجسد، ونعني به الروح، وهو يعكس بذلك الفرق بين فكره وفكر الإنسان،ان الإنسان يهتم دائمًا بالجسد والمسيح،
وان كان يهتم بالجسد لكنه، يعني بالروح أولا.
إن السؤال الذي طرحه المسيح:
«إيما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال قم وأحمل سريرك وأمش» (مر 2 : 9)
إن الغفران في تقدير المسيح أصعب جدًا من شفاء الجسد، إذ ليس هو كلمة تقال في يسر وسهولة، بل هو الحقيقة
العظيمة التي تبدو صعبة غاية الصعوبة، ولعل مرجع الصعوبة -وهو الخطأ في حكم الإنسان على الخطية أو تصوراته أو
مشاعره تجاهها -أن الكثيرين من بني البشر أنكروا وجود الخطية نفسها إلى درجة أنهم يعللون ممارسة الفحشاء بأنها
التصرف الطبيعي للغريزة الجنسية، وهناك من لم يصل إلى هذا التصور،والخطية قد تكون عنده هي القتل والنهب والسرقة
والفجور، لكنه لا يستطيع أن يدرك خطايا الفكر والشعور كالكراهية والحقد والحسد، وليس له فهم عن خطايا الإهمال والترك
والسلبيات،كعدم فعل الواجب والإيمان الصحيح. آه لو نعرف تمامًا موقف الله من الخطية، وكيف لا يمكن أن يتهاون أو يهاون
الشر إذ هو الله القدوس الطاهر العادل الذي تتنافر طبيعته تنافرًا أبديًا مع كل فساد.اذا كنت تريد بداية جديدة مع المسيح
اشترك في كورس كيف انمو ،فماذا نقول عن قداسة الله الذي السماء ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب
حماقة. وإذا كان نواميس الله الكاملة تقف ضد كل محاول لكسرها،فإذا وضع أحدهم يده على السلك الكهربائي يصعق في
الحال دون هوادة،وإذا سقط من فوق جبل تدق عنقه، وذلك لأنه تعدى ناموس الكهرباء أو ناموس الجاذبية، فكم بالأولى
نواميس الله الروحية والأدبية، التي تقضي على من يعتدي عليها ويخالفها.وقد كان من المستحيل على الإنسان الذي
سقط وانحرف أن يجد نجاة أو حياة من غير صليب المسيح الذي التقت فيه رحمة الله بعدالته، وتلائم نعمته مع قداسته،
بدأ السيد المسيح من النقطة الصحيحة مع الشاب المشلول:
إذ بدأ بروحه ويبدو أن الشاب كان في صراع مكبوت يبحث عن السلام لروحه ونفسه، وأجابه المسيح بسلام الغفران الذي
كان يفتقر إليه وينتظره.كانت معجزة شفاء الجسد برهانًا خارجيًا منظورًا يؤكد الحقيقة الداخلية العظيمة، فإذا وجد من بين
الحاضرين من تشكك في قول المسيح،على أساس أن غفران الخطايا لا يملكه إلا صاحبه الذي هو الله، وأن قول المسيح
ليس إلا مجرد أقوال تحتاج إلى إثبات صدقها وصحتها،كان على المسيح أن يعطي هذا البرهان الواضح بالمعجزة الأيسر و
الأسهل، ومن ثم قال للمفلوج: «قم احمل سريرك وأمش» فنهض المحمول في الحال ليضحي حاملاً،
«فقام للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل حتى بهت الجميع ومجدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا قط» (مر 2 : 12)..
وهكذا عالج المسيح بنظام ودقة، مرض الرجل، وأعطى الأهمية لحاجة الروح قبل حاجة الجسد، وهو دائمًا يفعل أكثر
جدًا مما نطلب أو نفتكر بحسب غناه في المجد.
بقلم/ سمير قصدالله
اضف تعليقًا
يجب logged in لكي تضيف ردا.