يليق بنا أن نتوقف طويلا عند الكلمات الوداعية التى تحدث بها السيد معنا ليلة آلامه، وكأنه يسلم

كنيسته كل الميراث.إنه يقدم لها شخص الروح القدس ليمكث معها ويكون فيها، يعزيها، ويعلمها،

ويرشدها إلى الحق، ويبكت كل ضعف يحلبأولادها،ويمجدها بما للمسيح لتحمل مجده فيها

( يو 16 : 7 . 8 . 13 . 14 ).كثيرون يتحدثون عن الصداقة الإلهية التى صارت لنا فى المسيح يسوع،

بكونه قد صار لنا الأخ البكر والعريس والصديق، كما هوالرب والمخلص والملك نحبه ونصادقه، نسأله

ونتضرع إليه ونعاتبه، نشعر بالقرب الشديد إليه لأنه حمل طبيعتنا وصار كواحد منا.

أما عن الروح القدس إذ يظهر على شكل حمامة كما فى عماد السيد المسيح أو على شكل ألسنة

نارية خلال هبوب ريح عاصف كما فى يوم العنصرة فقد دُعي قوة الله وحكمته وروح الحب الإلهى..

لهذا لا ينشغل البعض بالدخول معه فى علاقة شخصية،بل ينظرون إليه كمجرد نسمةإلهية خفية.

لقد أراد السيد المسيح وأكدت الكنيسة التزامنا بقبول الروح القدس لندخل معه فى صداقة كشخص

نعيش به ومعه يتحدث معنا ونحن نحدثه (مر 13: 11)،نسمع صوته (رؤ 2: 7)،يعلن لنا ويرشدنا (أع 13: 2)،

يقوم بالشهادة معنا (أع 5: 32)،يقدم لنا المعرفة (1 كو 2: 10، 11)،يهبنا الحياة (يو 6: 36)،ويحزن أيضاً (أف 4: 30)،ويدبر أمور الخدمة ويقيم الخدام (أع 20: 28).

الروح القدس هو :-

.فالروح القدس المعزي الذى أرسله لنا الابن من عند الآب ليس مجرد نسمة إلهية، لكنه أقنوم إلهي،

نصادقه ونحبه ونعيش به ومعه،ونسأله أيضا كما تفعل الكنيسة فى تسبحة الساعة الثالثة يوميا:

“أيها الملك السمائى المعزي، روح الحق، الحاضر فى كلمكان، والمالئ الكل، كنز الصالحات ومعطي

الحياة، هلم تفضل وحل فينا، وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا”.إن كانت الكنيسة قد

تعلقت بالسيد المسيح كعريسها الذى أحبها وأسلم نفسه لأجلها، فأنها تعلقت بروحه القدوس، فتتذكر

حلوله عليها، يومياً، فى تسبحة الساعة الثالثة .

الروح القدس والتبكيت على الخطيئة:-

الروح القدس الذى يجد له فينا مسكناً فى سر التثبيت، يقوم بعمل التبكيت المستمر على كل خطيئة

نرتكبها. إنه الروح القدسالذى لا يطيق النجاسة والشر..الروح القدس يفضح خطايانا أمام بصيرتنا الداخلية

.. الروح القدس لا يقف فى عمله هذا عند حدودالكشف والتبكييت،لكنه أيضا يقوم بدور إيجابى فى توبتنا

المستمرة بالتشفعات الإلهية التى يصنعها عنا لدى الآب فىاستحقاقات دم الابن.. وكلمة باراكليت التي

أُطلِقت عليه تعنى معزي أو محامي..

الروح القدس وأعمال التوبة:-

التوبة هى حياة عملية يمارسها الإنسان، كقول القديس يوحنا المعمدان:

“اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة” (مت 3: 7).

هذه الأعمال ليست من عملنا البشرى، لكنها هى عطية الروح القدس الذى يسند المجاهد فى

حربه ضد شهوات الجسد وخطايا النفس.

الروح القدس والتقديس المستمر:-

حدثنا السيد المسيح عن الروح القدس كمعلم إلهى يبكت الناس على الخطية (يو 16: 8)،

ليدفع نفوسنا إلى التوبة الصادقة المستمرة، مقدماً لها تعزية (يو 16: 7)،ومنتقلاً بنا دوماً من

ضعفنا إلى الحياة المقدسة فى المسيح يسوع ربنا . لهذا دعاه السيد بالمعزي (يو 14: 26، 15: 26، 16: 7).

التقديس والتثبيت:-

الروح القدس يقوم بتثبيتنا فى الأصل (الابن القدوس) لكى تنتقل فينا عصارة الحياة المقدسة

من الأصل إلى الأغصان. حدثنا السيد المسيح عن حاجتنا إلى الثبوت فيه بالروح القدس

بقوله: “كما أن الغصن لا يقدر أن يأتى بثمر من ذاته إن لم يثبت فى الكرمة، كذلك أنتم أيضاً إن

لم تثبتوا فىَّ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذى يثبت فىَّ وأنا فيه يأتى بثمر كثير،

لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً. إن كان أحد لا يثبت فىَّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق” (يو 15: 4 – 6).

روح التقديس والجهاد:-

الروح القدس لا يبخل علينا بالتقديس، لكنه لا يعمل فينا بغير إرادتنا، فنحن المتكاسلون.اذا كنت

تريد اختبار الابوة الحقيقيةمن خلال علاقة حيه مع المسيح اشجعك للاشتراك معنا في كورس كيف انمو

الروح القدس وتكريس القلب:-

فى القديم، النار المادية حولت الأدوات الذهبية التى بين يدى شعب إسرائيل إلى العجل الذهبى،

الصنم الذى كان قائماً فى قلوبهم يتعبدون له خفية، فظهرت نيتهم الداخلية وأُعلِن معبودهم الخفى

(خر 32: 24).وفى أيام بختنصر، إذ دخل الثلاثة فتية أتون النار المنظورمن أجل برهم: أُعلِن إلههم الخفى

الذى كان يعمل فى قلوبهم،إذ ظهر شبيه بابن الآلهة يتمشى معهم وسط الأتون، يحتضنهم ويحميهم

من النار المنظورة. هكذا أرسل الله ناره الإلهية، روحه القدوس، الأقنوم الإلهى، لكى يعلن السيد

المسيح المخفي فى قلوبنا.إن عمل الروح القدس الناري فينا هو أنه يختمنا بالختم الملوكي فى أعماق

النفس الداخلية، فنحمل صورة السيد المسيح فينا،وتصير النفس والجسد بكل إمكانياتهما وتصرفاتهما

ملك الرب. هذا هو مفهوم التكريس: إننا نحمل الختم الإلهى معلناً أن كل مافينا هو له.

يحدثنا الرسول بولس عن هذا الختم الإلهى، قائلاً:

“والذى يثبتنا معكم فى المسيح وقد مسحنا، هو الله الذى ختمنا أيضا ومنحنا عربون الروح فى قلوبنا” (2 كو 1: 21، 22).

“وفيه بعد أن آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى” (أف 1: 13، 14).

“لا تحزنوا روح الله القدوس الذى خُتمتم به ليوم الفداء” (أف 4: 30).

يمكنك الاطلاع على الجزء الثاني للمقال من خلال هذا الرابط