معنى الثالوث: من الكتاب المقدس وكتابات آباء الكنيسة (1)

ما هو إيمان المسيحيين بالثالوث.. أو: ماذا يعنى الثالوث فى العقيدة المسيحية؟

يؤمن المسيحيون فى العالم كله، وعلى مر التاريخ، بإله واحد مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس).

فما هو مفهوم الأقانيم فى الإيمان المسيحى؟ للاشتراك فى كورس كيف تكرز؟

الأقنوم هو لفظ سيريانى، وباليونانية – التى كانت هى اللغة الأساسية لآباء الكنيسة الأولين

– هو “هيبوستاسيس”، ويعنى حرفياً: “ما يقوم عليه الشىء”. فالأقنوم (أو الهيبوستاسيس)

هو ما يقوم عليه الكيان الإلهى. والمسيحية تؤمن أن كيان الله يقوم على ثلاثة أقانيم:

1- (الآب) وهو الذات الإلهية.)
2- الابن (اللوجوس) (وهو العقل الإلهى الناطق)، ويطلق عليه الابن لأنه يتولد من الذات منذ الأزل.

ويسمى أيضاً بأقنوم الحكمة، وأقنوم الكلمة الإلهية.

 3- الروح القدس (وهو روح الله، أقنوم الحياة)، وهو ينبثق من الذات منذ الأزل.
فالله واحد، له ذات غير محدودة يوجد بها منذ الأزل، وله عقل أزلى ناطق متكلم حكيم، غير محدود، يفكر به الله،

ويتكلم به، يصنع به كل شىء، وبه خلق الكون كله، وله روح أزلى يحيا به، ويعطى به الحياة لكل مخلوقاته.

هذه العقيدة أعلنها لنا الكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد، فنجد فى العهد القديم ما يلى:-

– “مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْهِ؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟

مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ ‍إِنْ عَرَفْتَ؟” (أم 30-4
الرَّبُّ بِ‍الْحِكْمَةِ أَسَّسَ الأَرْضَ. أَثْبَتَ السَّمَاوَاتِ بِالْفَهْمِ.” (أم 3:19″-
– “ترسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ.” (مز104-30

ونجد فى العهد الجديد ما يلى:-

.(فى البدء كان الكلمة (اللوجوس)، وكان الكلمة (اللوجوس) عند الله، وكان الكلمة (اللوجوس) الله.” (يو 1:1″-
والترجمة الحرفية للفظ (لوجوس) وقت أن كتب يوحنا إنجيله هى (العقل الإلهى)، والمعنى المقصود فى الآية السابقة

أن العقل الإلهى هو عند الله، وهو نفسه الله. وهذا شىء بديهى، لأن الله وعقله كائن واحد، وإله واحد، وليس كائنين وإلهين.

“كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.” (يو 3:1)
أى أن كل شىء فى الوجود قد خُلِق بهذا العقل الإلهى؛ أى أن الله قد خلق كل شىء بعقله (اللوجوس) والمترجَم هنا “بالكلمة”.
“الْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَ‍حِكْمَةِ اللهِ.” (1 كو 24:1
“فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَرُو عُشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ‍الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.” (كولوسى 16:1

(أحياناً، يفسر الآباء الثالوث بأن الآب هو نفسه العقل الأزلى، والابن (اللوجوس) هو الكلمة الأزلية، والروح القدس هو روح الله الأزلى. وبذلك يكون اللوجوس (الكلمة) متولداً عن العقل الإلهى منذ الأزل، وبه (بكلمته) خلق الله الكون كله، وبه يتكلم الله.أما الروح القدس فهو ينبثق من العقل الإلهى منذ الأزل، وبه يحيا الله.

ولنرَ ماذا قال الآباء عن الثالوث القدوس:-

قال العلامة ترتليان فى كتابه (الصلاة) (القرن الثانى الميلادى):-
– “ربنا يسوع المسيح، الذى هو كلمة الله، وعقل الله، والذى يعمل بروح الله -فهو نطق الله العاقل، وعقل الله الناطق – قد وضع لأجلنا شكلاً جديداً للصلاة”. وقال العلامة أوريجانوس (نهاية القرن الثانى وبداية القرن الثالث الميلادى:-
. “الآب هو الأصل والمصدر للابن وللروح القدس”-

وقال البابا ألكسندروس (البابا التاسع عشر) (القرن الرابع الميلادى):-
– “إذا كان الابن هو الكلمة والحكمة والعقل بالنسبة لله، فكيف يمكن أن يكون هناك زمن لم يكن فيه موجوداً؟ هذا يستوى مع قولهم بأن هناك وقت كان الله فيه بدون حكمة وبدون عقل!”

وقال القديس أثناسيوس الرسولى (البابا العشرون) فى كتابه (ضد الآريوسيين) (القرن الرابع الميلادى):-
– “الله هو الينبوع الأزلى (لحكمته) الذاتية. ولما كان الينبوع أزلياً، فبالضرورة يجب أن تكون (الحكمة)

أزلية أيضاً، لأن من خلال هذه (الحكمة) خُلقت كل الأشياء”.
.”- “يقول سليمان: “أسس الله الأرض بالحكمة”، ونفس هذه الحكمة هى الكلمة
متى إذاً كان الله موجوداً بدون ما هو (خاص به ذاتياً)؟ أو كيف يظن أحد أن ما هو (خاص به ذاتياً) ه

و غريب ومن جوهر مختلف؟
– “والمولود من الآب هو كلمته وحكمته وبهاؤه. والذين يعتقدون أنه كان هناك وقت ما لم يكن الابن موجوداً فهم يسلبون الله كلمته، ويعلّمون بمذاهب معادية لله، معتبرين أن الله كان فى وقت ما بدون الكلمة الذاتى،

وبدون الحكمة، وكان النور فى وقت ما بدون البهاء، وكان النبع جافاً مجدباً”.
– “من المستحيل عندما يعطى الآب نعمة ألا يعطيها بالابن، لأن الابن موجود فى الآب مثلما يوجد الشعاع فى الضوء. وأى عمل يعمله الآب فإنه يعمله (بالابن)”.

وقال البابا كيرلس عمود الدين (البابا الرابع والعشرون) فى تفسيره لإنجيل يوحنا (16:7) (القرن الخامس الميلادى):-
. “كان المسيح مرسلاً ككلمة من العقل، كشعاع الشمس من الشمس نفسها”-

وقال القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحانى) فى ميامره (القرن السادس الميلادى):-
– “انظر كيف يسمَّى الابن “كلمة”.. إنه سُمِّى كذلك لأنه (معرفة) الله. والقديس الطوباوى بولس سماه “حكمة الرب”، وقال: “به خلق العالمين” (عب 2:1)، يعنى بمعرفته”.
– “الروح، الذى من الآب يخرج، هو حياة، وهو يحيى، لأن منه تعطَى الحياة لكل حى.. روحك أنت هى حياة لجسدك، وهكذا أيضاً روح الآب لحياة أقنومه”.

وقال الأنبا ساويرس بن المقفع فى كتابه (الدر الثمين فى إيضاح الدين) (القرن العاشر الميلادى):-
– “قول الله لنخلق إنساناً كشبهنا وصورتنا يحقق أنه شبه ثالوثه.. لأن ثلاثة خواص الإنسان كخواص الثالوث الثلاثة لروحه وليس لجسده – لأن روح الإنسان عقل ونطق وحياة،

تفسيره أن العقل هو الآب، والنطق هو الابن، والحياة هو الروح..العقل يلد النطق، والعقل والنطق حياتهما الروح..وصورة الله الثالوث المقدس صورها فى الإنسان،فيكون من يراها بعين عقله يعرف منها تثليث أقانيم الله وتوحيدها،لأن العقل آب والد الكلمة، والكلمة ابن مولود من العقل أبداً بغير انقطاع ولا انفصال.لأن الإنسان لا يخلو عقله من الكلمة أبداً ساكتاً كان أو متكلماً.. والعقل والكلمة اللذان هما شبه الآب والابن لهما روح واحدة هى حياتهما؛ أعنى روح الإنسان المتصلة بعقله وكلمته شبه الروح القدس المتصلة بالآب والابن، وهى حياتهما”.
“نحن نؤمن بإله واحد، قائم بذاته، ناطق بكلمته، حى بروحه. إن لله ثلاث خواص قائمة ناطقة حية بعضها ببعض، غير محتاجة إلى غيرها..

وقال ابن العبرى فى كتابه (منارة الأقداس) (القرن الـ 13 الميلادى):-
– “يختص أقنوم الروح القدس بالحياة، فالحياة تدل دائماً على الظهور لأنها تعطى حياة للكائن على الدوام،

لذا خاصية الحياة (الروح القدس) الانبثاق”.

تابع الجزء الثانى