صفات الله

كلنا يعلم أن الله يتصف بصفات، وإن كنا لا نستطيع الإلمام بها،لأن الله يفوق العقل والإدراك. فالله يتصف مثلاً

بالسّمع والبصر، والكلام والعلم، والإرادة والمحبة، لأنه ذات عاقلة لها علاقة مع غيرها من الكائنات، مثل البشر

والملائكة. والذات العاقلة التي لها علاقة مع غيرها تتصف بهذه الصفات، بأي وجه من الوجوه.

ومما لا شك فيه أيضاً أنّ هذه الصّفات لم تكن عاطلة في اللّه أزلاً ثم صارت عاملة عندما قام بخلق الملائكة

والبشر وغيرهم من الكائنات،بل إنّها كانت عاملة فيه من تلقاء ذاتها أزلاً (أي دون وجود مؤثر، خارج عن ذاته)

وذلك قبل وجود أحد منهم،لأنه لو كان الأمر غير ذلك، لكان اللّه تعرض للتغيُّر، إذ يكون قد صار عاملاً، بعد أن كان

غير عامل، والحال أنه لا يتغير على الإطلاق.

ولو كان الأمر غير ذلك لكانت هذه الكائنات ضرورة لازمة لجأ إليها اللّه لكي يُظهر صفاته ويُعلن ذاته،والحال أنه

تعالى لكماله التام، ظاهر في صفاته كل الظهور، ومُعلَن في ذاته كل الإعلان، بصرف النظر عن وجود الكائنات أو

عدم وجودها.وبما أن اللّه يتصف بهذه الصفات التي كانت عاملة فيه من تلقاء ذاتها أزلاً، قبل وجود أي كائن من

الكائنات سواه،

إذن لا شك في أنه كان يمارسها حينذاك بينه وبين ذاته وحدها هذا من وجهة، ومن وجهة أخرى بما أن ممارسة

هذه الصفات لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بين كائنين عاقلين على الأقل، أو بين كائن عاقل وذاته، إن كان

مركباً. وبما أن اللّه مع وحدانيته وتفرُّده بالأزلية وعدم وجود تركيب فيه، كان يمارس هذه الصفات بينه وبين ذاته

أزلاً كما ذكرنا،فمن المؤكد إذن أن تكون وحدانيته، مع عدم وجود تركيب فيها، ليست وحدانية مجردة أو وحدانية

مطلقة، بل وحدانية من نوع آخر لا نظير له في الوجود،لأن كل شيء في الوجود، حتى الذرة، مكوَّن من أجزاء.

الوحدانية المجردة

هي الوحدانية التي لا تتصف بصفة، وإسنادها إلى اللّه معناه (كما يُستنتج من آراء القائلين بها)أن

اللّه لا يتصف بصفة، أو بالحري أنه ليس ذاتاً،أو موجوداً له كيان حقيقي،لأن لكل موجود حقيقي

صفة، على أي نحو من الأنحاء.

الوحدانية المطلقة

أما الوحدانية المطلقة فهي الوحدانية التي لا حدَّ لها، وإسنادها إلى اللّه معناه (كما يُستنتج من

آراء القائلين بها)أنه ذاتٌ يتصف بالصفات السلبية (كعدم الإرغام وعدم الجهل)، أو يتصف بالصفات

الإيجابية (كالإرادة والعلم).ولكن هذه الصفات لم يكن لها مجال للظهور أو العمل، إلا عند قيامه

بالخلق،أي أن صفاته تعالى كانت بالقوة أزلاً، ثم صارت بالفعل عندما خلق.

وإن كان لا بدّ من إطلاق اسم على وحدانية اللّه، فمن الممكن أن تُسمَّى «الوحدانية الشاملةالمانعة» أو

«الوحدانية الجامعة المانعة»أي الشاملة أو الجامعة لكل ما هو لازم لوجود صفات اللّه بالفعل، بصرف النظر عن

وجود الكائنات أو عدم وجودها.

لأنه بذلك يكون منذ الأزل الذي لا بدء له، عالماً ومعلوماً، وعاقلاً ومعقولاً، ومُريداً ومراداً، وناظراً ومنظوراً، وسميعاً

وكليماً، ومُحباً ومحبوباً،دون أن يكون هناك تركيب في ذاته أو شريك معه، الأمر الذي يتوافق كل التوافق مع

كماله، واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود.

رسَّخ المسيح في صلاته في يوحنا 17 هذا الحق، “فكما أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، هكذا يكونون هم فيّ وأنا فيه، ليكونوا واحداً كما نحن

” لن يتحقق هذا الأمر مالم نشترك مع المؤمنين في شركة حية يتوسطها المسيح. وهذا لن يحدث  إن لم نتابع

الذين قبلوا عمل المسيح بالإيمان ،ونظهر بإشتراكنا معهم مفهوم الوحدة الجامعة لكل اعضاء جسد المسيح الواحد.